فصل: الخبر عن فتح سجلماسة وبلاد القبلة وما كان في ذلك من الأحداث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن فتح سجلماسة وبلاد القبلة وما كان في ذلك من الأحداث:

لما يئس بنو عبد المؤمن من غلبهم بني مرين على ما صار في أيديهم من بلاد المغرب وعادوا إلى مدافعتهم عن صمامة الدولة التي تحملت إياها شفافهم لو أطاقوا المدافعة عنها وملك بنو مرين عامة بلاد التلول اعترم الأمير أبو يحيى بعدها على الحركة إلى بلاد القبلة ففتح سجلماسة ودرعة وما إليها سنة ثلاث وخمسين وستمائة وافتتحها بمداخلة من ابن القطراني غدر بعامل الموحدين فتقبض عليه وأمكن منها الأمير أبا يحيى فملكها وما إليها من درعة سائر بلاد القبلة وعقد لابنه أبي حديد وبلغ الخبر إلى المرتضى فسرح العساكر سنة أربع وخمسين وستمائة لاستنقاذها وعقد عليهم لابن عطوش ففر راجعا إلى مراكش ثم نهض سنة خمس وخمسين وستمائة إلى محاربة يغمراسن وبنيه بأبي سليط فأوقع بهم واعتزم على اتباعه فثناه عن رأيه في ذلك أخوه يعقوب بن عبد الحق لعهد تأكد بينه وبين يغمراسن فرجع ولما انتهى إلى المقرمدة هذه بلغه أن يغمراسن قصد سجلماسة ودرعة لمداخلة من بعض أهلها أطمعته في ملكها فأغذ السير إليها بجموعه ودخلها ولصبيحة دخوله وصل يغمراسن لشأنه فلما علم بمكان أبي يحيى من البلد سقط في يده ويئس من غلابه ودارت بينهم حرب تكافؤ فيها وهلك سليمان بن عثمان بن عبد الحق ابن أخي الأمير أبي يحيى وانقلب يغمراسن إلى بلده وعقد الأمير أبو يحيى على سجلماسة ودرعة وسائر بلاد القبلة ليوسف بن يزكاسن واستعمل على الجباية عبد السلام الأوربي وداود بن يوسف وانكفأ راجعا إلى فاس والله تعالى أعلم.

.الخبر عن مهلك أبي يحيى وما كان أثر ذلك من الأحداث التي تمحضت عن استبداد أخيه يعقوب بن عبد الحق بالأمر:

لما رجع الأمير أبو يحيى من حرب يغمراسن بسجلماسة أقام أياما بفاس ثم نهض إلى سجلماسة متفقدا لثغورها فانقلب منها عليلا وهلك حتف أنفه على سرير ملكه في رجب سنة ست وخمسين وستمائة أمضى ما كان عزما وأطول إلى تناول الملك يدا اختطفته المنون عن شأنه ودفن بمقبرة باب الفتوح من فاس ضجيعا للمولى أبي محمد الفشتالي كما عهد لأهل بيته وتصدى للقيام بأمره ابنه عمر واشتمل عليه عامة قومه ومالت المشيخة وأهل الحل والعقد إلى عمه يعقوب بن عبد الحق وكان غائبا عن مهلك أخيه بتازى فلما بلغه الخبر أسرع اللحاق بفاس وتوجهت إليه وجوه الأكابر وأحس عمر بصاغية الناس إليه وحرضه أتباعه على الفتك بعمه فاعتصم بالقصبة وسعى الناس في إصلاح ذات بينهما فتفادى يعقوب عن الأمر ودفعه لابن أخيه على أن تكون له بلاد تازى وبطوة وملوية ولما لحق بتازى واجتمع إليه كافة بني مرين عذلوه فيما كان منه فاستلأم وحملوه على العودة في الأمر ووعدوه من أنفسهم المظاهرة والمؤازرة فأجاب وبايعوه وصمد إلى فاس وبرز عمر للقائه فانتهى إلى المسجدين ولما تراءى الجمعان خذله جنوده وأسلموه فرجع إلى فاس مغلولا ووجه الرغبة إلى عمه أن يقطعه مكناسة وينزل له عن الأمر فأجابه إلى ذلك ودخل السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق مدينة فاس فملكها سنة سبع وخمسين وستمائة وتمشت طاعته في بلاد المغرب ما بين ملوية وأم الربيع وسجلماسة وقصر كتامة واقتصر عمر على إمارة مكناسة فتولاها أياما ثم اغتاله من عشيره عمر وإبراهيم ابنا عمه عثمان بن عبد الحق والعباس ابن عمه محمد بن عبد الحق فقتلوه وثأروا منه بدم كانوا يعتدونه عليه وهلك لعام أو بعد عام من إمارته فكفى يعقوب شأنه واستقام سلطانه وذهب التنازع والمشاق عن أمره وكان يغمراسن بعد مهلك قرنه الأمير أبي يحيى سماله أمل في الاجلاب على المغرب فجمع لذلك قومه واستجاش بني توجين ومغراوة وأظمعهم في غيل الأسود ونهضوا إلى المغرب حتى انتهوا إلى كلدامان وصمد السلطان يعقوب بن عبد الحق إلى لقائهم فغلبهم ورجعوا إلى تفيئته ومر يغمراسن ببلاد بطوية فأحرق وانتسف واستباح وأعظم فيها النكاية ورجع السلطان إلى فاس وتقبل مذاهب أخيه الأمير أبي يحيى في فتح أمصارالمغرب وتدويخ أقطاره وكان مما أكرمه الله به أن فتح أمره باستنقاذ مدينة سلا من أيدي النصارى فكان له بها أثر جميل وذكر خالد على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن فجأة العدو مدينة سلا واستنقاذها من أيديهم:

كان يعقوب بن عبد الله قد استعمله عمه الأمير أبو يحيى على مدينة سلا لما ملكها كما ذكرناه ولما استرجعها الموحدون من يده أقام يتغلب في جهاتها مراصدا لأهلها وحاميتها ولما بويع عمه يعقوب بن عبد الحق اسقته بعض الأحوال فذهب مغاضبا حتى نزل غبولة وألطف الحيلة في تملك رباط الفتح وسلا ليعتدها ذريعة لما أسر في نفسه فتمت له الحيلة وركب عاملها ابن يعلو البحر فارا إلى أزمور وخلف أمواله وحرمه فتملك يعقوب بن عبد الله البلد وجاهر بالخلع وصرف إلى منازعة عمه السلطان أبي يوسف وجوه العزم وداخل تجار الحرب في الإمداد بالسلاح فتماروا في ذلك وكثر سفر المترددين بينهم حتى كثروا أهلها وأسملوا فيها غرة عيد الفطر من سنة ثمان وخمسين وستمائة عند شغل الناس بعيدهم وثاروا بسلا وسبوا الحرم وانتهبوا الأموال وضبطوا البلد وامتنع يعقوب بن عبد الله برباط الفتح وطار الصريخ إلى السلطان أبي يوسف وكان بتازى مستشرفا لأحوال يغمراسن فنادى في قومه وطار بأجنحة الخيول ووصلها ليوم وليلة وتلاحقت به أمداد المسلمين من أهل الديوان والمطوعة ونازلها أربع عشرة ليلة ثم افتتحها عليهم عنوة وأثخن فيهم بالقتل ثم رم بالبناء ما كان متثلما بسورها الغربي حيث أمكنت منه الفرصة في البلد وتناول البناء فيه بيده والله لا يضيع عمل عامل.
وخشي يعقوب بن عبد الله بادرة السلطان فخرج من رباط الفتح وأسلمه فضبطه السلطان وثقفه ثم نهض إلى بلاد تامسنا وأنفى فملكها وضبطها ولحق يعقوب بن عبد الله بحصن علودان من جبال غمارة فامتنع به وسرح السلطان ابنه أبا مالك عبد الواحد وفي بن زيان لمنازلته وسار إلى لقاء يغمراسن لقاء المهادنة فلقيه بجو حرمان وافترقا على السلم ووضع أوزار الحرب ورجع السلطان إلى المغرب فخرج عليه أبناء أخيه أولاد إدريس ولحقوا بقصر كتامة شايعوا يعقوب ابن عمهم عبد الله على رأيه واجتمعوا إلى أكبرهم محمد بن ادريس فيمن إليهم من العشير والصنائع فنهض إليهم واعتصموا بجبال غمارة ثم استزلهم واسترضاهم وعقد لعامر ابن ادريس سنة ستين وستمائة على عسكر من ثلاثة آلاف فارس أو يزيدون من المطوعة من بني مرين وأغزاهم إلى العدوة لجهاد العدو وحملهم وفرض لهم وشفع بها عمله في واقعة سلا وهو أول جيش أجاز من بني مرين فكان لهم في الجهاد والمرابطة مقامات محمودة وذكر خالد تقبل سلفهم فيها خلفهم من بعدهم حسبما نذكره.
وأقام يعقوب بن عبد الله خارجا بالنواحي مثقلا في الجهات إلى أن قتله طلحة بن علي بساقيه غبولة من ناحية سلا سنة ثمان وستين وستمائة فكفى السلطان شأنه وكان المرتضى مذ توالت عليهم الوقائع واستمر الظهور لبني مرين انحجر في جدرانه وتوارى بالأسوار عن عدوه فلم يسم إلى لقاء زحف ولا حدث نفسه بشهود حرب واستأسد بنو مرين على الدولة وشرهوا إلى التهام البقية وأسفوا إلى منازلة مراكش دار الخلافة كما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.